سورة الأعراف - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)}
قوله تعالى: {يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي} الاصطفاء: الاجتباء، أي فضلتك. ولم يقل على الخلق، لأن من هذا الاصطفاء أنه كلمه وقد كلم الملائكة وأرسله وأرسل غيره. فالمراد {عَلَى النَّاسِ} المرسل إليهم. وقرأ {برسالتي} على الإفراد نافع وابن كثير. والباقون بالجمع. والرسالة مصدر، فيجوز إفرادها. ومن جمع على أنه أرسل بضروب من الرسالة فاختلفت أنواعها، فجمع المصدر لاختلاف أنواعه، كما قال: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}. فجمع لاختلاف أجناس الأصوات واختلاف المصوتين. ووحد في قوله: {لصوت} لما أراد به جنسا واحدا من الأصوات. ودل هذا على أن قومه لم يشاركه في التكليم ولا واحد من السبعين، كما بيناه في {البقرة}. قوله تعالى: {فَخُذْ ما آتَيْتُكَ} إشارة إلى القناعة، أي اقنع بما أعطيتك. {وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} أي من المظهرين لإحساني إليك وفضلي عليك، يقال: دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف. والشاكر معرض للمزيد كما قال: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}. ويروى أن موسى عليه السلام مكث بعد أن كلمه الله تعالى أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات من نور الله عز وجل.


{وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145)}
قوله تعالى: {وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} يريد التوراة. وروي في الخبر أنه قبض عليه جبريل عليه السلام بجناحه فمر به في العلا حتى أدناه حتى سمع صريف القلم حين كتب الله له الألواح، ذكره الترمذي الحكيم.
وقال مجاهد: كانت الألواح من زمردة خضراء. ابن جبير: من ياقوتة حمراء. أبو العالية: من زبرجد. الحسن: من خشب، نزلت من السماء.
وقيل: من صخرة صماء، لينها الله لموسى عليه السلام فقطعها بيده ثم شقها بأصابعه، فأطاعته كالحديد لداود. قال مقاتل: أي كتبنا {له} في الألواح كنقس الخاتم. ربيع بن أنس: نزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير. وأضاف الكتابة إلى نفسه على جهة التشريف، إذ هي مكتوبة بأمره كتبها جبريل بالقلم الذي كتب به الذكر. واستمد من نهر النور.
وقيل: هي كتابة أظهرها الله وخلقها في الألواح. واصل اللوح: لوح بفتح اللام، قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}. فكأن اللوح تلوح فيه المعاني. ويروى أنها لوحان، وجاء بالجمع لأن الاثنين جمع. ويقال: رجل عظيم الألواح إذا كان كبير عظم اليدين والرجلين. ابن عباس: وتكسرت الألواح حين ألقاها فرفعت إلا سدسها.
وقيل: بقي سبعها ورفعت ستة أسباعها. فكان في الذي رفع تفصيل كل شي، وفي الذي بقي الهدى والرحمة. وأسند أبو نعيم الحافظ عن عمرو بن دينار قال: بلغني أن موسى بن عمران نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صام أربعين ليلة، فلما ألقى الألواح تكسرت فصام مثلها فردت إليه. ومعنى {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} مما يحتاج إليه في دينه من الأحكام وتبيين الحلال والحرام، عن الثوري وغيره.
وقيل: هو لفظ يذكر تفخيما ولا يراد به التعميم، تقول: دخلت السوق فاشتريت كل شي. وعند فلان كل شي. و{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}. {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} وقد تقدم. {موعظة وتفصيلا لكل شي} أي لكل شيء أمروا به من الأحكام، فإنه لم يكن عندهم اجتهاد، وإنما خص بذلك أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {فَخُذْها بِقُوَّةٍ} في الكلام حذف، أي فقلنا له: خذها بقوة، أي بجد ونشاط. نظيره {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ} وقد تقدم. {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها} أي يعملوا بالأوامر ويتركوا النواهي، ويتدبروا الأمثال والمواعظ. نظيره {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}. وقال: {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}. والعفو أحسن من الاقتصاص. والصبر أحسن من الانتصار.
وقيل: أحسنها الفرائض والنوافل، وأدونها المباح. سأريكم دار الفاسقين قال الكلبي: {دارَ الْفاسِقِينَ} ما مروا عليه إذا سافروا من منازل عاد وثمود، والقرون التي أهلكوا.
وقيل: هي جهنم، عن الحسن ومجاهد. أي فلتكن منكم على ذكر، فاحذروا أن تكونوا منها.
وقيل: أراد بها مصر، أي سأريكم ديار القبط ومساكن فرعون خالية عنهم، عن ابن جبير. قتادة: المعنى سأريكم منازل الكفار التي سكنوها قبلكم من الجبابرة والعمالقة لتعتبروا بها يعني الشام. وهذان القولان يدل عليهما {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ} الآية. {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} الآية، وقد تقدم. وقرأ ابن عباس وقسامة بن زهير {سأورثكم} من ورث. وهذا ظاهر.
وقيل: الدار الهلاك، وجمعه أدوار. وذلك أن الله تعالى لما أغرق فرعون أوحى إلى البحر أن اقذف بأجسادهم إلى الساحل، قال: ففعل، فنظر إليهم بنو إسرائيل فأراهم هلاك الفاسقين.


{سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (147)}
قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} قال قتادة: سأمنعهم فهم كتابي. وقاله سفيان بن عيينة.
وقيل: سأصرفهم عن الإيمان بها.
وقيل: سأصرفهم عن نفعها، وذلك مجازاة على تكبرهم. نظيره: {فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}. والآيات على هذا المعجزات أو الكتب المنزلة.
وقيل: خلق السماوات والأرض. أي أصرفهم عن الاعتبار بها. {يتكبرون} يرون أنهم أفضل الخلق. وهذا ظن باطل، فلهذا قال: {بغير الحق} فلا يتبعون نبيا ولا يصغون إليه لتكبرهم. قوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} يعني هؤلاء المتكبرون. أخبر عنهم أنهم يتركون طريق الرشاد ويتبعون سبيل الغي والضلال، أي الكفر يتخذونه دينا. ثم علل فقال: {ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا} أي ذلك الفعل الذي فعلته بهم بتكذيبهم. {وكانوا عنها غافلين} أي كانوا في تركهم تدبر الحق كالغافلين. ويحتمل أن يكونوا غافلين عما يجازون به، كما يقال: ما أغفل فلان عما يراد به، وقرأ مالك بن دينار {وإن يروا} بضم الياء في الحرفين، أي يفعل ذلك بهم. وقرأ أهل المدينة وأهل البصرة {سبيل الرشد} بضم الراء وإسكان الشين. وأهل الكوفة إلا عاصما {الرشد} بفتح الراء والشين. قال أبو عبيد: فرق أبو عمرو بين الرشد والرشد فقال: الرشد في الصلاح. والرشد في الدين. قال النحاس: سيبويه يذهب إلى أن الرشد والرشد مثل السخط والسخط، وكذا قال الكسائي. والصحيح عن أبي عمرو غير ما قال أبو عبيد. قال إسماعيل بن إسحاق: حدثنا نصر بن علي عن أبيه عن أبي عمرو بن العلاء قال: إذا كان الرشد وسط الآية فهو مسكن، وإذا كان رأس الآية فهو محرك. قال النحاس: يعني برأس الآية نحو {وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً} 10 فهما عنده لغتان بمعنى واحد، إلا أنه فتح هذا لتتفق الآيات. ويقال: رشد يرشد، ورشد يرشد. وحكى سيبويه رشد يرشد. وحقيقة الرشد والرشد في اللغة أن يظفر الإنسان بما يريد، وهو ضد الخيبة.

26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33